إنهم يكتبون عن ولد ابريد الليل(4)

ولد ابريد الليل عاش بوقاره... ورحل بسكينته

أتذكر أني رأيت الأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل لأول مرة ذات مساء من سنة 1987، حين كنت طالبا جامعيا أسكن في بيت مؤجر بحي (ر) بالعاصمة ؛ و كان هو يسكن في الحي المقابل ، غربي مجمع العيادات. في ذلك المساء، نزل من منزله و ركب سيارة بيضاء اللون ، أظنها من طراز هوندا، إلى جانب سائق ؛ فمر بالقرب منا عندما انعطفت السيارة لتأخذ شارع الأمل ، شرقا. و قد ذكر لي أحر الرفاق كان معي أنه يذهب كل يوم في هذه الساعة للسلام على والدته في حي توجنين، في الطرف القصي من شرق نواكشوط. و في 1992، رأيته و استمعت له يتكلم بهدوء و بنبرة واطئة في مهرجان انتخابي على كثيب قريب من بناية مدرسة أبي، و يومها كان مرشحا للحزب الجمهوري الحاكم في دائرة عرفات ؛ و أتذكر مما قال في ذلك التجمع إنه لا يتعهد بشيء محدد للناس ، برغم سيل الإطراء الذي خصه به مدير حملته، السياسي الكبير المصطفى ولد اعبيد الرحمن. و بعد ذلك، جئت لتغطية جلسة علنية للجمعية الوطنية الأولى في ظل دستور 1991، و كان هو أمينها العام ، لصالح جريدة أخبار الأسبوع التي كنت من بين طاقمها المؤسس، و كاتب لعمود ثابت فيها بعنوان ” من بعيد “؛ و برغم طول الجلسة ( حدود ساعات متوالية ) ، فلم يتحرك هذا الرجل أو يتململ حتى حسبته صورة جدارية له، فتقدمت للتأكد !
المرة الرابعة قابلته في 2003، بعد خروجي من السجن، بناء على طلب من الرفيق المرحوم الأستاذ خطري ولد الطالب جدو ، الذي أبلغني أنه ينتطرني في منزله بلكصر ، فذهبت إليه ؛ و قد حدثني لمدة نصف ساعة ببعض الإيحاءات تمكنت من فك بعض شفراتها أنه يتهيأ للتعبئة لتأسيس كيان سياسي شامل لكل القوميين، بغض النظر عن انتمائهم الحركي ( بعثيون. ناصريون، عروبيون )، ردا ، كما ألمح، على غزو أمريكا للعراق ، الذي يستهدف اجتثاث الفكرة القومية من أساسها… و قد تملكني بعمق تعبيره عن الفكرة القومية ، و سعي أمريكا لاجتثاثها. و لا أدري كيف اتصل بي بعد ذلك و وثق بي عندما طلب مني أن أترجم له بيان ترشيح الرئيس السابق محمد خونا ولد هيداله و أن أحتفظ بالنسختين عندي لحين ما يطلبهما مني. و قد ترجمت البيان ، و سلمت له النسختان قبل نشرهما للعموم بفترة وجيزة، دون أن يتسرب شيأ عنهما. و يبدو لي أن كتمان ذلك البيان ، كان سببا في انفتاحه علي على نحو ملفت عندما أسس مع رفيق حياته اسماعيل ولد أعمر ؛ حيث كنا ثلاثة مسؤولين عن نشرة الحكّ ، فكنت في أغلب الأحيان أكتب افتتاحيتها السياسية بإشراف الأستاذ محمد يحظيه رحمه الله، بينما كان هو يكتب عمودا ثقافيا- سياسيا ثابتا، و الأستاذ المرحوم إسلم ولد سيدي حمود عمودا عن مواضيع مختلفة ؛ فضلا عن منوعات فكرية و ثقافية قصيرة … و بعض المواضيع الأخرى لرفاق غير منتظمين في الكتابة في تلك النشرة ، التي بلغت حدا غير مسبوق في إحراج نظام ولد الطايع و إزعاجه. و هنا أتذكر أنه ذات مرة ، بينما كنت في اجتماع لبعض قادة منتدى المعارضة، و من بين الخاضرين صامبا شام رئيس طلائع التغيير ( افلام )، ذكر أحد الحضور أنه ظهر مقال جديد لولد ابريد الليل ، فانتفض شام ، قائلا( هذا الرجل الذي لا أتفق معه في شيء ، و مع ذلك فهو وحده الذي أحرص أن أذهب بنفسي لاقتتاء الصحيفة التي تنشر له مقالا ، خشية أن يفوتني ما يكتب !). و عندما قرأت آخر مقال كتبه قبل شهرين في تأبينه لصديقه محمد المصطفى ولد بدر الدين ، قلت لأحد رفاقه، يظهر لي أن الأستاذ يحظيه ينعي نفسه في تأبينه لصديق، ولد بدر الدين … !! عموما، ما يمكن أن أقوله أنني قابلت أغلبية النخبة السياسية و الثقافية الموريتانية ، فلم أر مثله في الثقافة و عمق الرأي و كثافة الإيحاء و بعد النظر وشمولية المعالجة ، و لم أر من تمكن من جمع الثقافة و السياسة في شخصه، مثلما جمعهما محمد يحظيه ولد ابريد الليل، كما لم أر مثله في الهدوء و الوقار ؛ و أشهد أن فترة الأربع سنوات التي قضيناها معا على قرب، لم أره في حالة غضب تخرجه عن وقاره أو في خفة تشين سكينته، و لم أسمع منه لأحد، بحضوره أو في غيابه، كلمة واحدة جارحة….
رحم الله الأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل ، و كل عزائنا لأسرته الكريمة و رفاقه، و أخص الأستاذ امّمد ولد أحمد، و الدّفالي ولد الشين ( أسأل الله له الشفاء العاجل ) ، و الأستاذ الرئيس محمد ولد أحمد سالم ولد طالبنا ، و سعادة السفير حامد حمّوني …. و ذويه و أصدقائه كافة.
و إنا لله و إنا إليه راجعون. الاستاذ محمد الكوري العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى