2من شهر أغسطس:عود على بدء

د.اعل ولد اصنيبه

ما زال الموريتانيون يتذكرون النداء المدوي الذي أطلقه رئيسهم الأول المختار ولد داداه، سنة 1957م بمناسبة أول جمعية تحضيرية للمشروع الوطني، حيث قال: “لنبني جميعا الوطن الموريتاني”.

إن من قرأ، من بين الموريتانيين، مذكرات الرئيس المختار، والتي عكف على كتابتها بعد انسحابه من المعترك السياسي، لابد ان يكون قد لاحظ في خاتمة الكتاب ورود هذا التساؤل: ” أيُّ شعب نريد أن نكون؟ ” تساؤل ما زال حتى اليوم مطروحا ومدعاة للتفكير.

ولكن وقبل الخوض في هذا كله هناك سؤال آخر يفرض نفسه : لماذا اختار المختار أن يتحدث عن “الوطن” بدلا من “الأمة” مع العلم أن المفهومين غير متطابقين؟ فحسب معجم لاروس تعني “الوطن” تعني “البلد الذي ولدت فيه أو الذي أنتمي إليه بصفتي مواطن، والذي تشدني إليه روابط عاطفية”.

هذا بالضبط هو حال موريتانيا عشية الاستقلال.

أما بالنسبة لمفهوم “الأمة”, بغض النظر عن مضمونه من وجهة نظر رجال القانون وما قد ينسبونه له من مفاهيم فإن بعض الجهات العالمة تعتبر أن علم السنية وحدها “هي التي تتوفر فيها العناصر التي من خلالها تحدد السمة الأكثر ثباتا في التمييز ببن الأمم”.

وهذا العنصر المميز هو اللغة ” لأن كل الفوارق الأخرى الناتجة عن اختلاف الجنس، والحكومة، والعادات، والتقاليد، والديانة، والثقافة، هي في الحقيقة إما معدومة أو تتجلى فقط في فوارق جدُّ ضئيلة”.

إن الوحدة المبنية حول لغة مشتركة، أي ما يمكن تسميته الأمة الموريتانية، لم تكن حينها إذًا إلا مجرد مشروع يجب العمل على تحقيقه، ولم يكن المختار يجهل ذلك. فالحقيقة بكل بساطة هي أن الموريتانيين لا يجمعهم شعور بهوية وطنية موحدة، فموريتانيا بلد فيه أربعة إثنيات لا تتقاسم أي لغة جامعة! في 2 من شهر أغسطس 2019، وبعد ستين عاما من التعايش، كانت أعين الموريتانيين مركزة على حفل تنصيب رئيسهم الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني المنتخب عبر الاقتراع العام والمباشر يوم 22 يونيو من نفس السنة..

كان شرف إجراء هذا التنصيب يعود إلى رئيس المجلس الدستوري السيد ديالو مامادو باتيا.

وقد جرت العادة أن توجه بهذه المناسبة كلمة فنية، خالية من السياسة، غير أن رئيس المجلس، وخروجا عن المألوف، ألقى خطابا سياسيا مفعما بالمشاعر الوطنية وأمام جمهور يتألف من الرسميين الوطنيين وبعض ضيوف الشرف الأجانب من بينهم الرئيس السنغالي ماكي صال، ونبه ديالو إلى بعض الحقائق الوطنية التي من بينها أن بلده متعدد الأعراق يتكون من عرب موريتانيين وزنوج موريتانيين، كما أشار إلى أن أطر بلده المنحدرين مثله من الضفة يستخدمون اللغة الفرنسية في خطابهم، وإن كان ذلك منافيا لما ينص عليه الدستور، في حين يستخدم أطر البيضان اللغة العربية على غرار ما فعل الرئيس الجديد في خطاب تنصيبه.

وهكذا تكون القضية الوطنية، قضية الالتحام بين الموريتانيين وما تولد عنها من أزمات، قد تم طرحها من أول خطوة تخطوها الدولة الناشئة. شكلت سنوات 1966، 1986، 1987 و1989 كلها محطات بارزة في سجل القلاقل التي حفت المسار الوطني الموريتاني، ومثلت شواهد على القلق العميق الذي ما زال يؤرق القوميين الزنوج وعلى رأسهم أصحاب النزعة العرقية من البولار والتكرور المنتمين إلى ما يسمى قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين (فلام).

هؤلاء من باب التعصب لهويتهم، لا يخفون ندمهم على مشاركة البيضان إنشاء موريتانيا.

ولم يكن هذا النفور ليمر دون إثارة “عنصرية مضادة للعنصرية” في بعض أوساط العرب الموريتانيين الذين أصبحوا يشهرون تحسرهم على قبول إدماج بلاد شنقيط مع الفوتا في دولة واحدة.

كانت الخيارات مفتوحة أمام العرب الموريتانيين، كان بإمكانهم، بشكل أو بآخر، بناء قطر مع المغاربة الساعين إلى الاندماج بشكل حثيث والذين تربطهم بهم روابط الدم، أو مع الزنوج الموريتانيين المتأرجحين بين الرغبة الفاترة والرفض المطلق.

وفي نهاية المطاف وقع اختيار العرب الموريتانيين على الاشتراك مع الأقلية الزنجية الإفريقية الرافضة ل” سلب الهوية”.

مازالت موريتانيا إلى اليوم تعيش آلام مخاض الولادة نتيجة هذا الخيار. فالقوميون من الزنوج الأفارقة يتكلمون عن تعريب قسري. وتدور الحملات التحريضية لهؤلاء حول مواضيع “الزنجي الموريتاني المضطهد”، وما يسمونه دولة الفصل العنصري في غرب إفريقيا حيث شيَّد أجدادهم إمبراطوريتين عظيمتين، هما إمبراطورية غانا وإمبراطورية مالي.

اعل ولد اصنيبه موريتانيا:

إشكالية التعايش العرقي (تحت الطبع).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى