معا ضد نسيان الرموز الوطنية

اليوم الاثنان 6 سبتمبر 2021، تحل الذكرى التاسعة لرحيل المرحوم بإذن الله تعالى البحّاثة محمد ولد مولود وداداه (الشنافي) وهو أحد الرموز الوطنية المتميزة خاصة في مجال البحث والتمحيص والتدقيق مما جعل الباحثين المهتمين بموريتانيا وبالمنطقة عموما يعتمدون عليه في الكثير من أبحاثهم، الشيء الذي دفع البروفيسور عبد الودود ولد الشيخ أن يجزم قائلا: “ليس من المبالغة القول بأنه لا يوجد بحث ذو قيمة يتعلق بموريتانيا لم يسلم من قريب أو من بعيد من تأثير محمد ولد مولود ولد داداه، ذلك أن كل الموريتانيين والأجانب تقريبا الذين ألّفوا حول موريتانيا، مدينون له إما بضبط مسألة، أو بمصدر، أو بملاحظة رصينة.” (انتهى الاستشهاد).
قبل أربع سنوات حلّت عليّ ذكرى رحيل الشنافي وأنا في باريس فخلدتها -على طريقتي الخاصة- بالتجول في الحي اللاتيني وزيارة الصوربون، وهي بالتأكيد من أماكن الذاكرة الباريسية التي ألِفها المرحوم وألفته.
واليوم أخلّد هذه الذكرى بتفقد أماكن ذاكرة بتونس الخضراء أكاد أجزم بأنه كثيرا ما تردد عليها، حيث طلبت من سائق التاكسي هذا الصباح أن يوصلني إلى النصب التذكاري لابن خلدون لأجلس متأملا قبالة صاحب “المقدمة” مفترضا أن الشنافي مرّ من هنا مرات ومرات وأنه أجرى حوارات صامتة مع مؤلف “كتاب العبر” تناولت العصبية والدولة والعمران الحضري والبداوة وغيرها من القضايا التي فصّلها ابن خلدون في المقدمة وقاسمه الشنافي الاهتمام بها. ثم ودّعت ابن خلدون متجها إلى “مقهى باريس” (Café de Paris) لأحتسي هنالك قهوة كما كان يفعل المرحوم، على ما أعتقد، قبل أن أواصل المشوار إلى “سوق العطارين” حيث البناية التي كانت تحتضن المكتبة الوطنية والأرشيف التونسي وأنا أكاد أجزم بأن هذه البناية أخذت الكثير من وقت السفير محمد ولد مولود ولد داداه على حساب مكتبه بالسفارة الموريتانية بتونس وأنه تردد على مكتبة “العطارين” أكثر من تردده على “القصبة” الواقعة على مقربة منها حيث مكاتب الحكومة التونسية.
وكان بودي أن أزور القيروان وأتوغل في الجنوب التونسي متقصيا أثر الفقيد، غير أن الظروف والإمكانيات لم تسمح بذلك.

بعد هذه الجولة الخاطفة بالعاصمة التونسية على خطى فقيد البحث العلمي الرصين المرحوم محمد ولد مولود ولد داداه، التمس من الذين ستصلهم هذه الخواطر أن يتضرعوا إلى المولى عز وجل لينعم على الفقيد بالرحمة والغفران ويسكنه جنة الرضوان وليجعل الخدمات الجليلة التي قدمها للبحث العلمي في ميزان حسناته وأن يبذلوا كل ما في وسعهم من جهد لتخليد ذكراه بصفته أحد الرموز الوطنية البارزة، فالأمة التي تنسى رموزها أمة بلا ذاكرة ولا تستحق البقاء.
تجدون رفقة هذه الملاحظات نصين أولهما أُلقيّ أمام المرحوم في حفل تكريم له يوم 6 سبتمبر 2006 (ست سنوات بالضبط قبل وفاته يوم 6 سبتمبر 2012) والثاني كُتب السنة الماضية (2020) في ذكرى رحيله، وهو يتضمن مقترحات ملموسة وسهلة التنفيذ بالنسبة لمن يمتلك الإرادة والرغبة في تنفيذها.
والنصان مجرد تنبيه وتذكير. يقول المولى عز وجل: ((وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)) صدق الله العظيم

تونس في 6 سبتمبر 2021
البروفيسور محمدُّو أميّن
قسم التاريخ بجامعة نواكشوط العصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى