الحكومة الجديدة: عودة ولد ابلال

استقال الوزير الأول محمد ولد بلال مسعود فحبس الناس أنفسهم ثلاثة أيام قبل أن يعلموا من هو الوزير الأول.
و انقسم الناس في شأن استقالته طرائق شتى. فمن قائل: لن يعود الرجل بالنظر الى أن الرئاسة لم تعد إليه الثقة إليه مباشرة بعيد استقالته كما كانت العادة ؛ وفي سياق مرتبط يحتج البعض بأن الحكومة التي كان يقودها ولد ابلال فاشلة أو هي متباطئة بحيث لم تحقق برنامج رئيس الجمهورية و لم تستجب للتطلعات و لم ترفع التحديات على كثرتها. هذا إن لم يكن بعض قطاعاتها ضبط متلبسا بفساد، جزئيا او كليا، أو أتهم به.. مما حدا برئيس الجمهورية نفسه أن يوجه سهام النقد إليها ويحكم على بعضها بالقصور او الفشل الذريع.
استقالة ولد ابلال أعقبتها عودته من جديد ليقطع الشك باليقين، وليقود حكومة اقتضت تجديد الثلثين بدخول 15 وزيرا وبقاء سبعة فقط من التشكلة القديمة.
الفائز الأول في هذه الحكومة هو الوزير الأول، المهندس محمد ولد ابلال، بلا منازع؛ إن إعادة الثقة إليه دليل قاطع على أن أداءه مقنع بالنسبة لرئيس الجمهورية وأن الرجل يتمتع بخصال ومميزات رجحت كفته على أي منافس: وطني، هادئ ، رزين، كفؤ..مما مكنه، في مرحلة اولى، من قيادة حكومة تكاد توصف بأنها حكومة تقنوقراطية او هي تميل الى ذلك إذ لم يخرج غالبية أعضائها من رحم التشكيلات السياسية والاجتماعية المتعارف عليها.. بل إن بعض الوجوه فيها منكرة بالنسبة للتعاطي السياسي والاجتماعي ، او لم يكن لها دور معروف في الحملة الرئاسية..لم يكن الارتهان للقوى التقليدية النافذة مطروحا أمام رئيس الجمهورية في ظل تحد صارخ للقدرة المالية للدولة التي استلمها من سلفه على حافة الافلاس. وفجأة يأتي تحد أكبر، تمثل في الوباء الصحي العالمي ليهدد المنظومة الصحية الهشة أصلا..فكان لا بد من تركيز العمل على الجوانب الاجتماعية والعناية أكثر بالمنظومة الصحية وتوجيه البوصلة الى الفئات المستهدفة. وقد صاحب هذا السعي جهد سياسي آخر ميز فخامة الرئبس غزواني، عن من سبق من الرؤساء بخلقه جوا تصالحيا هادئا كاد يجعل منه رئيسا يجتمع عليه الطيف الوطني بكل مكوناته..فاستحق بجدارة لقب “رئيس الإجماع الوطني”.

استغرقت حكومة ولد ابلال الأولى حوالي 18 شهرا ، و ما لبث فخامة الرئيس أن لاحظ عليها اختلالات كبيرة إن لم نقل أخطاء جسيمة. بل إن الوزير الأول نفسه في إطار زيارات ميدانية للقطاعات صرح بأن هناك قصورا وضعف أداء في الجهاز الحكومي والإداري حال دون التقدم في برنامج رئيس الجمهورية. صحيح أن الفترة كانت صعبة لما شابها من أحداث وطنية ، سياسية و أمنية، ثم جاء وباء كوفيد 19 ليفاقم الأمور ويصعب المهمة على الحكومة و على الدولة بشكل عام.
لكن رئيس الجمهورية صمم بكل حزم على تجاوز هذه الأزمة المعقدة، ضاربا على الحائط كل المآخذ باستثناء ما يدخل في إطار تجاوزها والعبور الى بر الأمان . وفد نجح بعد عزم وتصميم ازدان بالصبر وحسن الخلق المعهود عنه.
بتجاوز تلك العقبات المتعددة أصبح التفكير ينصب على مراجعة حصيلة المأمورية التي انقضى أكثر من نصفها. و المراجعة تهدي الى المحاسبة. والمحاسبة تهدي الى العقوبة.
فكان خطاب وادان وما تلاه من إجراءات ، ثم خطاب حفل تخرج دفعة في المدرسة الإدارية إعلان عن مرحلة جديدة اتسمت باضطرابات دولية باتت تنذر بالخطر ( الحرب على أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية والدولية).
ولكي يصبح العمل الحكومي في مستوى التحديات سيتم التخلي عن بعض الوجوه او غالبيتها بعد الخضوع لعملية المراجعة والمحاسبة.
ولأن الوزير الأول قد عايش تلك الفترة الصعبة و هو مطلع على ملفاتها بكل تفاصيلها، وبحكم أنه غير منتم و غير محسوب على ” جهة سياسية” وبما ظل يتمتع به من حسن سيرة وخلق ونظافة يد، أعاد اليه فخامة رئيس الجمهورية الثقة بعد استقالته ليقود فريقا جديدا في شكله ولكن أيضا في مضمون رسالة التكليف الجديدة، والتي أعلن عنها الوزير الأول نفسه : جعل الحكومة قريبة هز عنوان المرحلة الجديدة : الاستجابة السريعة لطلبات المواطن بحيث تكون الدولة في خدمة المواطن؛ و التزام الشفافية في تسيير المال العام ونبذ جميع أشكال الفساد الإداري، وتطوير الخدمات وتنويعها؛ والإسراع في تطبيق برنامج رئيس الجمهورية : تعهداتي.
لا شك أن الوزير الأول في رسالته المعلنة يدرك المهمة الموكلة إليه وأنها مختلفة عن سابقتها، وأنها جاءت في سياق وطني ودولي يطلقان أمامها تحديات معقدة ومتشابكة. وإذا كانت حكومته الحالية عبارة عن خليط سياسي واجتماعي و تقنوقراطي فهي مطالبة مع ذلك بالاستعداد لمشهد سياسي وطني: استحقاقت برلمانية وبلدية بعد سنة من الآن ثم تليها انتخابات رئاسية..مما يحتم على حكومة محمد ولد ابلال الثانية تقديم إنجازات ملموسة لتعهدات فخامة الرئيس ومواجهة المشاكل الاقتصادية و التحديات الأمنية الداخلية والخارجية. بالمحصلة على هذه الحكومة أن تخطو خطوات ملموسة في تنفيذ مشروع الدولة والمجتمع الذي بشر به فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: الإقلاع بالاقتصاد الوطني و إرساء دولة القانون و العدل والمواطنة والمساواة..


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى