مُقْتَرَحَاتٌ منْ أجلِ “حمايةِ المُسْتَهْلِكِ الإِعْلاَمِيِ” / المختار ولد داهى

تخلد بلادنا اليوم الثالث مايو العيد الدولي للصحافة و هو فرصة لمنافسة و مغالبة الأفكار من أجل مساءلة واقع الإعلام الموريتاني و استشراف مستقبله و هو بالأخص فرصة لتشخيص أَدْوَاءِ الإعلام و اعْوِجَاجَاتِهِ ابتغاء اقتراح علاجها و تقويمها حماية”للمستهلك الإعلامي” من “المواد الإعلامية الضارة” بالوحدة الوطنية و اللحمة الاجتماعية و الاستقرار السياسي و الحياة الخاصة للأفراد،…

و أول ما يجب تسجيله بخط عريض كلما كان الحديث عن الإعلام هو تقديم التهنئة -مُسْتَحَقِ التهنئة- لسائر العائلة الإعلامية علي تمكينها بلدنا لسنوات متتابعة من تصدر الدول العربية في مجال حرية و مهنية الإعلام و هو مكسب يَتِيمٌ-عجزنا عن تحقيق مثيل له في كل المجالات الأخري – و تتعينُ المحافظة عليه و تأمين و تحصين استدامته وشَدُ عَضُدِهِ بمكسب آخر أحسب أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة وضعتنا على سكته ألا و هو “نظافة الاقتراع الانتخابي” و “انْسِيًابِيًةُ” التناوب السلمي علي السلطة.!!

ثم إن ثاني ما يجدر التنبيه إليه هو أن مشكلة الإعلام الوطني المستقل تتحمل مسؤوليتها بشكل كبير الأنظمةُ السياسية السابقة التي ما إن فطنت إلي أن معظم مهنيي الإعلام المستقل سَاعَتَئِذٍ عَاضُونَ علي المهنية و الحياد بالنواجذ و “البُطُونِ الخَاوِيًةِ” حتي لجأت إلي إغراق المشهد الإعلامي بِسَيْلٍ عَرَمْرَمٍ من تراخيص الصحف و المواقع الألكترونية مما أدي إلي تمييع المهنة و ذَهَابِ قدر معلوم من رِيحِهَا و هَيْبَتِهَا و اخْتِلَاطِ حابلها بنابلها،…!!

و في تقديري أن الآمال المعقودة على “جمهورية التداول السلمي على السلطة” من طرف “المنتجين” و “المستهلكين” الإعلاميين عِرَاضٌ ثِقَالٌ لا ترضي بأقل من إجراء تشخيص دقيق للاختلالات وتقديم اقتراح طموح للإصلاحات؛يجب وجوبا أن يشذ شذوذا عن المألوف من المنتديات العامة ببلادنا التي ينشغل غالبا معظم المشاركين فيها باللقاءات الجانبية الكرنفالية و تنتهي أعمالها في كثير الأحيان بتوصيات إما حَالِمَةٌ ناطحة السحاب طموحًا غير قابلة للتنفيذ المنظور أو”باردة”،مكررة و “منزوعة الطموح” كما لو كان “الفَزَعُ الكَبِيرُ من أجل موت فأر حقير”.!!

و كلي أمل “كمستهلك إعلامي” لا يمت تكوينه الأكاديمي و لا طموحه المهني بأية صلة للإعلام أن لا تتأخر القرارات المطبقة “لعهد رئيس الجمهورية”بتمهين و تطوير الحقل الإعلامي و أن لا تخلُوَّ من الإجراءات الثلاثة التالية:-

أولا:زيادة تمويل الصندوق الوطني لدعم الصحافة:و هنا أقترح أن تخصص نسبة( 0.25% ) من الميزانية السنوية العامة لتمويل صندوق دعم الصحافة و هو ما يساوي مثلا مليار و نصف أوقية قديمة من الميزانية السنوية لسنة20.20الحالية البالغة قرابة 600مليار أوقية. و يحسن أن يستمر ذلك الدعم العمومي إلي غاية التنظيم و التنشيط الفعلي الوشيك (هيئت كل الظروف لانطلاق تشاور عريض حول الموضوع تأخر بفعل ظروف كورونا)لقطاع الإعلان الإعلامي التجاري بحيث يُؤَمِنُ تعبئة نفس الموارد المالية أو أكثر لتمويل المقاولات الإعلامية علي غرار ما هو حاصل بالعديد من دول العالم.

و يجدر أن توجه نسبة مهمة من التمويل المقترح لصندوق دعم الصحافة لإعادة دمج بعض “المهاجرين غير الشرعيين” إلي المهنة الصحفية الذين يعترفون بأنهم هاجروا إليها اضطرارا لا اختيارا فكانت هجرتهم خَصْمًا و انْتِقَاصًا من هيبة و كبرياء المهنة.و تتم إعادة دمج أولائك “المهاجرين غير الشرعيين” بناء علي طلبهم من خلال إعادة توجيههم و تمويل مقاولات خصوصية تناسب تكويناتهم الأصلية و مهاراتهم التقنية و مُتَاحَاتِ قانون العرض و الطلب.

ثانيا: تعزيز الصلاحيات الضبطية و المكانة المعنوية للسلطة العليا للسمعيات البصرية: و يتعلق الأمر بمراجعة القانون المنشئ للسلطة العليا للسمعيات البصرية بحيث يعزز صرامة”القبضة الضبطية” المخولة للسلطة العليا حتي تتمكن من حماية المستهلك الإعلامي الوطني من المواد الإعلامية الضارة و “المُسَرْطِنَةِ سياسيا و اجتماعيا” بما يضمن أن يكون إعلامنا الوطني رَافِعَةَ تنمية و بِنَاءٍ لا مِعْوَلَ هدم و فَنَاءٍ.!!

كما ينبغي أن تشمل مراجعة القانون المنشئ للسلطة العليا للسمعيات البصرية إدخال التعديلات الكفيلة بضمان ترفيع المكانة البروتوكولية للسلطة العليا للصحافة فإن لم تسجل في الترتيب البروتوكولي مباشرة كممثلة للسلطة الرابعة بعد المحكمة العليا الممثلة للسلطة الثالثة فيجب إيجاد موقع البروتوكولي لها غير بعيد من المكانة البروتوكولية لزعامة المعارضة الديمقراطية.

ضف إلي اقتراح ترفيع المكانة البروتوكولية للسلطة العليا للسمعيات البصرية زيادة التحويلات المالية المعينة علي الاستقلالية التامة و الأَدَائِيًةِ الجيدة المخصصة لرئيس و أعضاء السلطة العليا و كذا اشتراط مِعْيَارِيًةٍ علمية و مهنية و أخلاقية عالية المستوي لأهلية الظفر بعضوية تلك السلطة .

ثالثا: ترفيع المعايير العلمية و الأخلاقية لممارسة المهنة الإعلامية: و مبلغ طموحي في هذا المجال أن يتم اتخاذ قرار بوقف الترخيص بإنشاء المقاولات الإعلامية لمدة سنة علي الأقل و ذلك إلي غاية اتخاذ الترتيبات اللازمة لمراجعة القانون المنظم للصحافة. تلك المراجعة التي أرجو أن لا تغفل اشتراط الحصول علي الترخيص لمقاولة إعلامية جديدة بحيازة صاحب منصب رئيس التحرير (أو ما يعادله) علي درجة علمية جامعية “مُنَقًحَةٍ” و براءة مؤكدة مُبَرًزَةٍ من السوابق العدلية و الأخلاقية و التسييرية و “المُرُوئِيًةِ.

——————————————
**) هذا المقال كتبته منذ سنوات تصرفت فيه بتحيين بسيط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى