هوس العودة L’obsession du retour(ح9)

….لقد فاجأتني ردة فعل والدي على مواصلة الدراسة العليا.كنت بكر أبنائه،وقد وصل حد السن ولم يعد قادرا على العمل رسميا،في حين أن مساهماته في صندوق الضمان الاجتماعي لاتسمن ولا تغني من جوع.إخوتي لا زالوا في الإعدادية والإبتدائية.كان من البديهي أن أتحمل المسؤولية مساعدة الأسرة باكرا.رغم لك شجعني بقوة على مواصلة دراستي العليا الطويلة،والغير مضمونة النهاية.كان بإمكانه أن يطلب مني التقدم لمسابقة المعلمين،ولم أكن أستطيع رفض ذلك الخيار.بدل ذلك أقنعني بطلب منحة للدراسة في الخارج.ألا يقول مثل فلاني “يرى الشيخ الجالس ما لا يستطيع الشاب الواقف رؤيته”؟

بدأنا نقترب بفرح أنا وأصدقائي من قرية كورال،التي ألتحق بها وادى رغما عن ذويه ،لوفرة مراعيها،خلال الأربعينيات،تلك الفترة المزدهرة التي عرفت توسعا لافتا للقرية.ما بقي منها اليوم؟مجرد أعرشة وأكواخ تأوي عشرين أسرة تحاول إستعادة قطعان بعد سنوات الجفاف الماحقة،التي دفعت آخرين إلى اللجوء إلى التجمعات الحضرية.

كما تقتضي ثقافتنا،نزلنا مباشر عند آمادو مودي،نظيرنا في السن.في الوقت الذي كنا فيه نحتسي شاينا الأول،انتشر خبر قدومنا وبدأت نظيراتنا في السن تستعد لإستقبالنا بدورهن.بعد العديد من زيارات المجاملة لأعيان ومسني القرية،ألتقينا أخير في “الدينكل”.ذلك الفضاء المفتوح للقاء شباب مختلف الأحياء،إنها مؤسسة حقيقية للتربية الشعبية،حيث يتعلم كل واحد لذة الحياة الاجتماعية وحدودها.هناك نلعب ونرقص ونحكي الحكايات،ويستمر السهر حتى وقت متأخر من الليل.كانت ليلة ساحرة،وعدنا متأخرين إلى ألاك،خمس كيلومترات شمالا.تذوقت وحدي بعد كل تلك المشاعر مع أصدقائي، تحت السماء الممتلئة بالنجوم والحي نائم،والهدوء المشاب بآلاف الأصوات،تذوقت أمسية هادئة في ألاك.لازلت ألحظ التلة،في الشرق وحي الحرية القديم،الحي المحلي الأصلي الوحيد،حيث يعيش سكان ألاك الحقيقيين،ألائك الذين عاشوا فترة التأسيس هم وذريتهم.ذلك الحي الذي بني أصلا ليكون سكنا لماعدي الجيش الفرنسي السود،والذين يودون في القلعة الواقعة فوق التلة -هاؤلاء الذين من كل إفريقيا الغربية ،وخاصة مالي والسنغال- حي الحرية أخذ إسمه من لجوء مجموعة ثائرة إليه.كان هناك أختلاط بين البعض والبعض.ولايزال ذلك التنوع قائما.

فجأة أخذت أتأمل بيتنا المبني من الطين وسقفه من الأواد والأغصان المغطاة بالتراب،تراب الواد الذي تربط جسوره وتلاله الناعمة بين مجموعات المدينة.

في الصباح لم يكن لفطوري طعم ولم يكن ذلك الجو المعتاد.لم أكن أشعر بالجوع وكنت أرى أهلي بلا حماس.كنا نتحاشى أنا وأمي النظر إلى بعضنا لكن العواطف كانت جياشة.أصطحبتني إلى باب أرضنا بكثير من الوشوشة المتواصلة لتباركني وفتح والدي يديه للدعاء.

في الخارج مررت أمام بيت عمي حييت ظغبنة عمي مريم روبي.قامت بتلك الحركة الغريبة،سكبت علي الماء البارد من إبريقها كرجاء لي بسلامة الطريق والتوفيق في الخارج-تيمنا بالوضوء قبل الصلاة-حركة أكتشفها لأول مرة في حياتي ولست مستعدا لنسيانها. ……يتواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى