3 مواقف

عبدو سيدي محمد

خلال ريبورتاج أستقصائي إجتماعي حول الخطوبة والزواج و الطلاق و المشاكل المصاحبةلتلك المراحل أستوقفتني ثلاثة ملاحظات هامة كانت هي زبدة الموضوع و خلاصة بيت القصيد. قبل التطرق بالتفصيل إلى تلك المواقف الغريبة الصادقة لا بأس من إعطاء نبذة مختصرة عن الموضوع. يحتوي الإستجواب على عدة أسئلة مختلفة موجهة إلى ثلاثة فئات هي العزاب ، المتزوجين و المطلقين. طبعا الأسئلة موجهة بصفة مباشرة إلى الذكور و الإناث. طبعا تختلف الأسئلة حسب الفئة المستهدفة و رغم إختلاف الجنس (ذكور ، إناث) و العمر و الوظيفة و المستويات العلمية و المادية والاجتماعية إلا أن الأجوبة كانت متقاربة و شبه متطابقة. أي إتفاق لا شعوري في الذهن الفردي و الجمعوي حول سيناريو الحدث. قبل أن أعرج إلى المواقف الثلاثة لا بأس بالتذكير بأهم قاسم مشترك الذي (مع كثرة القواسم) اتفق عليه المستجوبون. المدهش هو إتفاق المستجوبين (أسئلة الإستجواب فردية ) على فكرة أن الزواج ليس هدفا من أجل تكوين أسرة و إستمرار المودة و السكن بل هو وسيلة لإرضاء الذات و المجتمع ليس إلا. أكيد هناك عناصر داعمة لهذا الطرح الغريب و هي عوامل مترابطة و متشابكة و متداخلة و معقدة.
خلال جمع و تحليل المعطيات (الأجوبة) أثار انتباهي ثلاثة اجوبة لثلاث فتيات و هي على التوالي :
1/ قلبي محفظة نقود
ثلاثينية عزباء (آنذاك) تشتغل بالتجارة قالت لي : سوف اتحدث معاك بكل صراحة انا لا أهتم بروايات العشق و الحب و الزواج و الرومانسية انا عملية و الرجل بالنسبة لي مجرد مصدر تمويل فقط . قلبي محفظة نقود و على من يتقدم لي ان يكون قادرا على تعبئة المحفظة.
2/ لا فرق بين قيمة الدراهم
ثلاثينية عزباء (آنذاك) موظفة حكومية لا ترى اي فرق بين دراهم الوزير و دراهم بائع الفحم (لحموم) هي نفس الدراهم و تحمل نفس القيمة. الرجل بالنسبة لها خزينة للصرف و لا يهم طريقة التحصيل او المصدر.
3/ خذ ما شئت إلا قلبي
فتاة بنفس المواصفات السابقة موظفة لا تؤمن بالحب و لا بوهم الاسرة و الإستقرار. هي ترى أن العلاقة مجرد تبادل مصالح جسدية و مادية و هي علاقة قابلة للتوقف او الإيقاف أو الإنهاء في أي لحظة. لذا من الحماقة ان أحب أو أعشق من قلبي أو أهدي عاطفتي لأي كان. قلبي ملكي و أتحكم فيه أما جسدي فهو لمن سيتزوجني و لا يهم من كان ، الاهم القدرة المادية.
لا أذيع سرا إذا قلت ان تلك الأجوبة كانت صادمة بالنسبة و اعتبرتها مجرد أجوبة (تافهة) تمتاز بالسذاجة و السطحية و السخرية و التهكم. لكن بعد تتبع مسار حياة بعض المشمولين أتضح لي مدى عمق و صراحة و جراءة تلك الأجوبة. أدركت حينها أن لكل كلمة قيمة مهما كانت عفويتها و مباشرتها. و لكل شخص لحظة صدق قد لا تتكرر علينا الأستفادة منها و أخذها بعين الإعتبار.
ما أرغب في الوصول إليه هو النتائج الكارثية المتوقعة من التحول الدراماتيكي للمجتمع الموريتاني. و مع غياب الوازع الديني (الشريعة) و الحاضن التربوي (الأسرة) و السند القانون (الدولة) و ظاهرة العولمة (الوافدين) فإن الوضع معرض للإنفجار لا قدر الله مما سيسفر عن عواقب وخيمة على مستوى الفرد و الاسرة و المجتمع و الدولة.
حسب المعطيات هناك عوامل كبرى مباشرة و مؤثرة لهذا التحول سنعرض أهمها في هذه العجالة.
1/ طغيان المادة حيث اصبحت العلاقات الأسرية و الإجتماعية و حتى السياسية و الإقتصادية مرتبطة أرتباطا وثيقا بالمصالح المادية مما ولد إتفاق عام على هذا المبدأ (الرأسمالي) النفعي. فصار التسابق نحو التحصيل و الإمتلاك بغض النظر عن الوسيلة. الأمثلة ظاهرة للعيان لحجم عمليات النهب و الفساد و مظاهر الثراء الفاحش و التبذير و التفاخر في المناسبات الإجتماعية و السياسية و الدينية. أما عمليات الإحتيال و النصب لا يخلو شبر من الكرة الارضية إلا و شهد على براعة و شطارة (الموريتاني.) . من الخليج إلى أسيا مرورا بأفريقيا و اوروبا هي مسرح لفصول من عمليات التحايل يدنى لها الجبين.
2/ المسلسلات المدبلجة : لعبت هي الأخرى دورا محوريا في التأثير على نمط و أسلوب حياة المجتمع خاصة فئة الشباب المراهقين و حاولوا إسقاط أحداث تلك المسلسلات و أبطال الوهم على حياتهم الخاصة فكانت الطامة الكبرى. و على الرغم ان هدف الدراما هو تجاري ربحي و رسالة بث روح و كيان ثقافة مفتعلة غريبة عن المجتمع و العادات و التقاليد إلا أن غياب الرقابة و مقص الرقيب ساهم في إنتشار هذه الظاهرة الكارثية.
3/ وسائل التواصل الإجتماعي : كانت هي حلقة الوصل لتكملة مشروع (الشاشة) حيث أصبحت في متناول الجميع و لكن بطرق و وسائل أكثر حدة و تقنية و (إنحلال). الاختفاء خلف ستار الأسماء المستعارة والحسابات الإفتراضية أتسعت دائرة (الغش) و سنحت الفرصة لبث و نشر كل أصناف و أنواع المناكر. و مع ضعف الرقابة صارت الهواتف مسرحا للقيل و القال و المواعدة و المراسلة و الدردشة و العشق والغرام و فساد الأخلاق.
4/ الإستيطان :
نظرا لموقع موريتانيا الجغرافي المغري صارت بوابة كل حالم بالهجرة نحو اوروبا. حيث اصبحت (موطن) لكل مهاجر او وافد خاصة من الماما افريكا. في نهاية المطاف هي ملجأ آمن للمهاجرين حيث الإستقرار و العمل و الأمن و التعايش السلمي داخل مجتمع طيب و (الساذج). طيبوبة المجتمع أدت إلى أنتشار الكثير و الكثير من عادات و مظاهر حياة الوافدين على سبيل المثال لا الحصر أشكال الحلاقة و اللبس و الطعام.
خلاصة القول الطيبة الزائدة و التسامح السلبي للمجتمع الموريتاني حيث لا حواجز ثقافية او دينية او قانونية مع الغير هي رأس الحربة في هذا التحول التراجيدي في الحياة السوسيولوجية مما ينذر بشر قد لا تحمد عقباه. كما نسجل ظاهرة خطيرة جدا و هي (سرقة التراث) و سبق لنا الحديث عن هذه السرقات في معالجات سابقة.
عبدو سيدي محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى