ولد بلال:الديمقراطية لم تكن – في الأصل – مطلبا شعبيا(خطاب)

السيد ستار جبار رحمن، رئيس المؤتمر، المدير التنفيذي للمركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط،

السادة رؤساء وممثلو الإدارات الانتخابية،
السادة أعضاء اللجنة العلمية للمؤتمر،
السادة الأساتذة الباحثون،

أود بادئ ذي بدء أن أرحب بكم جميعا باسم المنظمة العربية للإدارات الانتخابية متمنيا لكم التوفيق والسداد، و لمؤتمركم النجاح في ما سيصدر عنه من مخرجات علمية تسلط الضوء على واحدة من أهم القضايا المعاصرة، وهي العلاقة التفاعلية بين الانتخابات والتحول الديمقراطي.

إن هذا اللقاء يتيح لنا فرصة التعريف – في كلمتين – بالمنظمة العربية للإدارات الانتخابية. نحن منظمة عربية إقليمية – غير سياسية – تُعنى بالجوانب الفنية من العملية الانتخابية، وتسعى لتعزيز القدرات وتبادل الخبرات فيما بين أعضائها، وصولا إلى الرفع من كفاءتهم و قدرتهم على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في بلدانهم تستجيب للمعايير الإقليمية والدولية.

تأسست المنظمة عام 2015 بمبادرة من ست (6) إدارات انتخابية، واستطاعت حتى الآن مضاعفةَ عدد أعضائها الذين بلغوا 12 عضوًا بالإضافة إلى أعضاء مراقبين. وتعمل على توسيع صفوفها لتشمل كل الإدارات الانتخابية في الوطن العربي.

و قد أسست الشبكة العربية للمرأة في الانتخابات عام 2019 بالتعاون مع المشروع الإقليمي للمساعدة الانتخابية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات.و نعمل حاليا على إطلاق شبكة مماثلة للشباب في الاجتماع القادم للجمعية العامة المزمع انعقاده في المنتصف الثاني من هذا العام. وتأتي أهمية هذه الشبكات في الجمع بين الادارات الانتخابية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ذات الاهتمام المشترك، لتعزيز المشاركة السياسية والانتخابية لكل فئات المجتمع. وفي هذا الصدد، فإن المنظمة تضع على أجندتها المستقبلية إنشاء شبكة متخصصة لذوي الإعاقة تهتم بمشاركة ذوي الإعاقة في العملية الانتخابية سواءً أكانوا ناخبين أو منتخبين أو عاملين.
و على الصعيد الدولي، فإن المنظمة ترتبط بعلاقات تشاركية ومذكرات تعاون وتفاهم مع عدد متزايد من المؤسسات المهتمة بالشأن الانتخابي. وقد أشرفت مع شركائها الدوليين على العديد من الورشات والندوات والمؤتمرات الإقليمية حول موضوعات هامة، من بينها: استقلالية الإدارة الانتخابية، وتسجيل الناخبين، ومعالجة الطعون الانتخابية، وتعزيز مشاركة المرأة، ودور الإعلام في تعزيز نزاهة العملية الانتخابية… واليوم يأتي هذا المؤتمر بالتشارك مع المركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط لتسليط الضوء على العمليات الانتخابية وعلاقتها التفاعلية بالتحول الديمقراطي.

أيها السادة والسيدات،

إن الحديث عن موضوع كهذا، لا بد – في رأيي – أن يأخذ في الحسبان ثلاث اعتبارات، هي:

– – أولا: غياب نموذج عربي أو إسلامي للحكم الديمقراطي يمكن الرجوع إليه واستلهامه، و هذا الغياب يمسُّ الحاضر كما يمسُّ الماضي، بالرغم من محاولات بعض المفكرين مماهاة الشورة الاسلامية بالديموقراطية، فإن الصورة المثالية للحكم عبر التاريخ في الموروث العربي الاسلامي هي – على العموم – أقرب إلى المستبد العادل منها إلى الديمقراطية.

– – ثانيا: محاولة خلق المؤسسات الديمقراطية قبل نشر الفكر الديمقراطي، عكس ما حدث في الغرب حيث مهّد فكر عصر النهضة والأنوار لتأسيس النظم الديمقراطية. و من هنا تجد تعارضا في مجتمعاتنا ما بين الثقافة السائدة التي هي بالأساس أصولية أو دكتاتورية أو انقلابية من جهة والثقافة الديموقراطية من جهة أخرى.

– – ثالثا: الديمقراطية لم تكن – في الأصل – مطلبا شعبيا نابعا من عمق المجتمع وثقافته، بل جاءت مواكبة لسقوط الثنائية القطبية وما رافقه من تحولات عالمية في تسعينيات القرن الماضي. ما جعل الحكومات والدول تضطر إلى الانفتاح ومسايرة القيم الكونية.

فانتقل معظمها إلى منطقة رمادية، لا ديمقراطية بالمعنى الصحيح ولا دكتاتورية بالمعنى المطلق، واعترفت بالتعددية الحزبية، و دعت لانتخابات تنافسية، ولكنها طورت في الوقت ذاته آليات وطرق عمل كانت سببًا في إفراغ العملية الديمقراطية والانتخابية من جوهرها.

انطلاقا من هذه الاعتبارات الثلاثة ونظرا لما يجري في المنطقة، فإن سؤالا يطرح نفسه: هل يمكن اختزال الديمقراطية في صندوق الاقتراع؟ الجواب طبعا لا! بدليل ما نُشاهِدُه من كثرةٍ في الانتخابات و قلةٍ في التحولات الديمقراطية الفعلية. ولذلك، أصبح السؤال المطروح الآن، هو: ما الّذي يجب أن يميّز الانتخابات الديمقراطيّة عن غيرها من الانتخابات الشكلية؟

على المستوى النظري والقانوني، لا يختلف اثنان على 6 ميزات للانتخابات الديمقراطيّة، هي:
1) أن تكون الانتخابات عامّة،
2) متساوية.
3) دورية
4)تنافسية
5) سرّيّة.
6) نزيهة وعادلة.
على المستوى النظري، لا إشكال! كلنا متفقون على هذه الميزات الستة، ولكن الإشكالية تأتي على مستوى التطبيق على أرض الواقع. كيف نجمع بين “عمومية المبادئ” و “خصوصية التطبيق” ؛ بين “كونية المبادئ” و “محلية التنفيذ”؟ هنا، يذهب كثير من المحللين إلى أن كل شيء يتوقّف على كفاءة واستقلالية الادارات الانتخابية. وغالبا ما تُحمَّل اللجان أو الهيئات الانتخابية مسؤوليةَ أي تقصير أو نقص يعترض سبيل التحول الديموقراطي المنشود. صحيحٌ أن الادارات الانتخابية تتولى القسط الأكبر من مسؤولية نجاح أو فشل الانتخابات، ولكن الانصاف يقتضي النظر أيضا إلى المعوِّقات و العراقيل و المطبات الموضوعية الموجودة رغمًا عن الإدارات الانتخابية.. بدءًا بالبيئة المجتمعية الحاضنة والبُنى القبيلية والطائفية و الاثنية، و مرورا بانتشار الأمية والفقر وانعدام طبقة وسطى تكون محركا للعملية الديموقراطية، وانتهاءً بضعف أو غياب الأطراف الأخرى في العملية الانتخابية، مثل المواطن الديمقراطي و الموظف الديموقراطي و الحزب الديمقراطي و المجتمع المدني الواعي والمنظم و القاضي المتمكِّن و الصحفي إلخ .. في النهاية، لا يمكن اختزال العملية الانتخابية والديموقراطية في هيئة أو إدارة، لأنها ببساطة عمليةٌ تشاركيةٌ متعددةُ الأطراف.

وكل التجارب تشير إلى أن التحول الديمقراطي – حتى ولو كان يمر حتما بانتخابات حرة ونزيهة – فإنه يكمن بالأساس في نشر الوعي الديمقراطي، وثقافة الحريات وحقوق الإنسان داخل المجتمع:

اختيارا وسلوكًا وممارسةً! ويتضح ذلك جليا في نتائج الانتخابات والفوارق الشاسعة بين النتائج في المدن حيث التمدرس والوعي والإعلام والتحرر من العقليات والقوالب البائدة ،، والنتائج في الأرياف حيث العقليات والعادات القديمة وغياب الأحزاب والإعلام.

لا شك أن هذه الأسئلة وغيرها ستجد الأجوبة المناسبة في البحوث التي ستبدأ من الآن تباعا والنقاشات التي ستليها بما يُسهم في تطوير الديموقراطية والانتخابات فهما وتطبيقا في وطننا العربي العزيز.

والسلام عليكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى