إن الله استخلف الإنسان ولم يستخلف ابن فلان

د.محمد ولد الراظي

عرفت شعوب العالم علي مر التاريخ الكثير من صنوف الظلم والغبن والتهميش ساهمت الثقافات وبعض الديانات الأرضية في تأسيسه ومأسسته…….وكانت الديانات السماوية في تتابعها تأتي لتصحيح تلك الإختلالات وذاك الظلم والحيف الذي يتعرض له المستضعفون من الناس….
تتجلي تلك المظاهر في تراتبيات مجتمعية تكون عادة بعنوان شرائحي و طورا بعنوان طبقي.
تكاد التراتبية الشرائحية تكون تمايزا أبديا ما دامت تجد لها حاضنة فلسفية وثقافية في المجتمع والمثال الأبرز في هذا المضمار هو التراتبية الخماسية عند الهندوس المستمرة منذ آلاف السنين.
والهندوسية عكس ما يقول به الكثيرون ليست دينا وإنما نظاما مجتمعيا به أرباب يزولون ويتحورون ويتفاضلون وبه رعايا هم أيضا غير سواسية في المنزلة والقيمة.
وتقوم التراتبية الهندوسية علي شرائح خمسة يكاد يكون واقع كل شريحة بها قدرا مقدورا:
الرهبان والمحاربون والتجار والخدم والمنبوذون وما زالت هذه التراتبية قائمة حتي اليوم وقد رسخها الإحتلال البريطاني كثيرا !!!!
أما الطبقية فهي تراتبية متغيرة قد يمسي المرء اليوم في طبقة ويغدو غدا في أخري بفعل عمله أونجاحه المهني أو الوظيفي…وهذا هو ما يعرف بالنظام الطبقي الإجتماعي …….
حاربت الأديان السماوية كلها -والإسلام علي وجه الخصوص-كل أشكال الغبن والظلم وهو ما عبر عنه الإقبال السريع والواسع من هذه الأوساط علي كل دين جديد.
يخبرنا القرآن الكريم أن سيدنا نوحا عليه السلام لما دعا قومه للإسلام ردوا عليه : “قالوا أنومن لك واتبعك الأرذلون……” أي الذين هم دونهم منزلة ورفعة.
وكان بنو إسرائيل مستضعفين في عهد فراعنة مصر فبعث الله نبيه موسي عليه السلام فخلصهم وكان قارون من قومه بادئ الأمر فلما استغني وتملك بغي وتسلط ولما طغي حاربه موسي وخسف الله به الأرض…
وكان اليهود مضطهدين في عصر الرومان لا يقدرون أن يجهروا بدينهم وكانوا كالرقيق أو أدني في خدمة الولاة والحكام فبعث الله فيهم سيدنا عيسي عليه السلام الذي قاد ثورة عنيفة ضد بطش الحاكم الروماني بيلاتوس وظلمه وجبروته….
أما الإسلام فأول من حاربه هم عتاة المجتمع القرشي سدنة الكعبة وأهل السقاية والرفادة وعنوان المجد والسؤدد…كان العبد مجرد شيئ في المجتمع القرشي وكانت مكانة الرجل تقاس بعديد عبيده وما تملك يمينه من ثروة ومال…..
وجد المعذبون في مكة خلاصهم في الإسلام فنفروا إليه واحتموا به وانخرطوا في صفوف الجهاد والبذل والعطاء…..
لم يتخلف مسلم عن مراقي السؤدد لأنه لم يكن من أهل الشأن بالجاهلية ولم ينل مسلم جاها مضافا ولا قدرا زائدا بسبب نسب ولا حسب ولم يشفع جاه ولا نسب لغير مسلم …….ويكفي للدلالة علي ذلك الفرق بين مكانة أبي لهب و مكانة زيد بن حارثة في الإسلام…..
آخي رسول الله صلي الله عليه وسلم بين بلال بن رباح وأبي عبيدة بن الجراح وولي زيد بن حارثة مرتين علي المدينة وكان بها مئات المسلمين الذين كانوا أشراف المجتمع الجاهلي……
وجهز جيشا قويا بإمرة أسامة بن زيد ولما توفي صلي الله عليه وسلم أبقي الخليفة أبو بكر علي نفس الجيش وآمره ……وكان بالمدينة آلاف الفرسان الشجعان من بيوتات المجد والشرف القرشي في الجاهلية ؟
يقول الله عز وجل في حواره مع ملائكته: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء….”
استخلف الله الإنسان في الأرض ولم يستخلف فلانا ولا ابن فلان ولكن هذا الإنسان قد يفسد وقد يصلح وقد أفسد من استعلي وتكبر ورأي غير التقوي معيارا للفضل والقيمة….والله كرم بن آدم ولم يخص عربيا عن عجمي ولا ابن فلان عن ابن علان وكل ما يخرج عن روح النص القرآني ليس في الدين من شيئ وإنما يراد به شيئ آخر …..
إن الخطر الأكبر الذي يتهدد الإسلام هو من داخل المسلمين أنفسهم وخاصة من أولئك الذين لا يميزون بين الدين والتدين………

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى