ضــد التيـــار حول مرسوم العفو الرئاسي (ب)

بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

2. وَرَدَ في ديباجة مرسوم العفو: “إن رئيس الجمهورية؛ وبعد الاطلاع على:
– الدستور الصادر بتاريخ 20 يوليو1991 والمُراجَع في 2006 و2012 و2017؛
– الأمر القانوني رقم 83/162 الصادر بتاريخ 9 يوليو 1983 المتضمن القانون الجنائي؛
– الأمر القانوني رقم 07/036 الصادر بتاريخ 17 إبريل 2007، المعدل، المتضمن قانون الإجراءات الجنائية؛ يرسم:
المادة الأولى: طبقا للمادة 37 من الدستور، يمنح عفو العقوبة السالبة للحرية لبعض مداني الحق العام…” (خط التشديد منا).
وهنا لا يسعني إلا أن أتساءل: هل الدستور الذي اطَّلَعَ عليه فخامة رئيس الجمهورية هو نفس الدستور الذي بين أيدينا؛ والذي يحتوي على نفس المواصفات المذكورة في المرسوم، أم هو دستور آخر افتراضي لا علاقة له بالدستور الذي يحكم موريتانيا؟ وإذا كان الجواب بأنه نفس الدستور الذي يحكم موريتانيا. فإن أسئلة أخرى ملحة ستتبادر إلى الأذهان وهي:
* كيف يَطَّلِعُ فخامة رئيس الجمهورية في النصف الأخير من مأموريته على المادة 37 من دستور موريتانيا ويُعْمِلُها في “عفو العقوبة السالبة للحرية لبعض مداني الحق العام” ولا يَطَّلِعُ من أول وهلة من عهده – وهو رئيس بالدستور، وحامي الدستور- على المادة 4 من نفس الدستور التي تقول حرفيا: “القانون هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب، ويجب أن يخضع له الجميع” ولا يُعْمِلُها في ضبط وتنظيم الدولة التي لا تستقيم أبدا على الظلم؟!
* وكيف يَطَّلِعُ فخامة رئيس الجمهورية في النصف الأخير من مأموريته على المادة 37 من دستور موريتانيا ويُعْمِلُها في “عفو العقوبة السالبة للحرية لبعض مداني الحق العام” ولا يطَّلِعُ من أول وهلة من عهده – وهو رئيس بالدستور، وحامي الدستور- على المادة 24 من نفس الدستور التي تنص حرفيا على أن “رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن، بوصفه حَكَمًا، السير المُطَّرد والمنتظم للسلطات العمومية. وهو الضامن للاستقلال الوطني وللحوزة الترابية” ولا يُعْمِلُها في ضبط وتنظيم شؤون الدولة التي انهارت لحد تمزيق الدستور على رؤوس الأشهاد؟!
* وكيف يطَّلِعُ فخامة رئيس الجمهورية في النصف الأخير من مأموريته على المادة 37 من دستور موريتانيا ويُعْمِلُها في “عفو العقوبة السالبة للحرية لبعض مداني الحق العام” ولا يطَّلِعُ من أول وهلة من عهده – وهو رئيس بالدستور، وحامي الدستور- على المواد من 45 إلى 77 من نفس الدستور التي تحكم العلاقة المحكمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في نظام رئاسي، ولا أثر فيها على الإطلاق لجواز إنشاء لجنة تحقيق برلمانية تحقق في تسيير الحكومة القائمة؛ أحرى أن تحقق في تسيير حكومة منصرفة، ورئيس جمهورية سابق يتمتع بحصانة دستورية! ويترك مؤسسات ودستور الدولة نهبا صيح في حجراته؟!
* وكيف يطَّلِعُ فخامة رئيس الجمهورية في النصف الأخير من مأموريته على المادة 37 من دستور موريتانيا ويُعْمِلُها في “عفو العقوبة السالبة للحرية لبعض مداني الحق العام” ولا يطَّلِعُ من أول وهلة من عهده – وهو رئيس بالدستور، وحامي الدستور، والضامن لاستقلال القضاء- على المواد 89 و90 و91 من نفس الدستور التي تنص حرفيا على ما يلي:
– “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء”. (م 89).
– ” لا يخضع القاضي إلا للقانون. وهو محمي في إطار مهنته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه”. (م 90).
– “لا يعتقل أحد ظلما. فالسلطة القضائية الحامية للحرية الفردية، تضمن احترام هذا المبدأ في نطاق الشروط التي ينص عليها القانون”. (م 91). ولا يُعْمِلُها في ضمان استقلال السلطة القضائية والقضاة، وفي الذب عن حقوق وحريات المواطنين في دولة أصبح القضاء فيها حديقة خلفية لوزارتي الداخلية والعدل تنفذان به ما شاءتا، بينما تركت حقوق وحريات المواطنين هباء؟!
* وكيف يَطَّلِعُ فخامة رئيس الجمهورية في النصف الأخير من مأموريته على المادة 37 من دستور موريتانيا ويُعْمِلُها في “عفو العقوبة السالبة للحرية لبعض مداني الحق العام” ولا يطَّلِعُ من أول وهلة من عهده – وهو رئيس بالدستور، وحامي الدستور- على المادة 93 من نفس الدستور التي تنص حرفيا على ما يلي: لا “يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى”! ولا يُعْمِلُها؟ وهو في أمس الحاجة إليها! بل تُنفَقُ مئات الملايين من بيت مال “الفقراء المتسولين” مكافأة للمبطلين من أجل تحريف ووأد تلك المادة الشامخة الراسخة، وكأنهم يريدون حَجْب الشمس بغربال!
* ونفس التساؤل وارد بإلحاح كذلك حول ترتيبات الأمرين القانونيين: رقم 83/162 الصادر بتاريخ 9 يوليو 1983 المتضمن القانون الجنائي؛ ورقم 07/036 الصادر بتاريخ 17 إبريل 2007، المعدل، المتضمن قانون الإجراءات الجنائية! إذ كيف يَطَّلِعُ فخامة رئيس الجمهورية على هذين القانونين ويُعْمِلُ بعض موادهما في منح “عفو العقوبة السالبة للحرية لبعض مداني الحق العام” ولا يَطَّلِعُ على موادهما الأخرى المتعلقة بحماية الحقوق والحريات؛ وخاصة المواد التمهيدية و105 و123 و124 و138 ق. إ. ج. التي يُتَلاعَبُ بها ليل نهار دون أن يُحَرَّكَ ساكن.. والإقرار على المنكر رضا به!
وقد ذم الله تعالى قوما بقوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}.
3. ووَرَدَ في الفقرة الأولى من المادة الأولى من نفس المرسوم أيضا: “تعفى لأسباب إنسانية، المدة المتبقية من العقوبة السالبة للحرية بالنسبة للمدانين نهائيا المصابين بأمراض مزمنة” (خطا التشديد منا)!
وهنا أتساءل أيضا، وبإلحاح أشد وأقوى: فخامة رئيس الجمهورية، أولم يكن أولى بكم وأجدرَ وأصوبَ وأقومَ – وأنتم الخلوق الصادق الصالح.. ومن أعلن أمام الموريتانيين والعالم أجمع شعاره المأثور “وللعهد عندي معنى” وعلى أساس ذلك الشعار انتخبكم الشعب الموريتاني رئيسا.. لا أن تعفوا عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فهو بحمد الله لم يرتكب ذنبا أو يُدَنْ بجريمة؛ بل أن تنصفوه وتحموه من ظلم المفسدين وانتقام الحاقدين، وهو من هو عندكم: رفيقكم في السلاح، وصديقكم وقائدكم طيلة 40 سنة إلى آخر القصة المعروفة…! وأن لا تتركوه فريسة لعدالة جاثية تحت سيف السياسة المصلت! الشيء الذي كاد أن يودي بحياته غيلة! وما زال يعاني حتى الآن من مخلفاته المتمثلة في مرض خطير ومزمن هو: ارتفاع ضغط الدم الناجم عن جلطة دموية مجهولة الهوية! ويصر القضاء الذي يحتفظ به رهينة ويمعن في اضطهاده وإهانته وتعذيبه ظلما وعدوانا، على منعه من السفر إلى حيث الأمان والأجهزة المتطورة بغية الفحص والعلاج!؟ فهل من أسباب إنسانية أقوى من المرض المزمن الذي يفضي إلى الموت؟ وهل من مرض مزمن أقوى وأخطر من جلطة دموية مجهولة الهوية نجم عنها مرض ضغط مزمن؟ وهل من إنسان أغلى وأعلى عندكم وعند الشعب الموريتاني من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز: قدتما معا حركتي 3 و6 أغسطس المجيدتين، وأنجزتما معا العشرية الذهبية قبل أن تصبح “عشرية فساد” ثم استخلفكم. وقد شهدتم في حقه بحق أمام الملأين فقلتم: “… كما أن السياق التاريخي لهذه اللحظة يستوجب مني أن أسجل نيابة عن الشعب الموريتاني وأصالة عن نفسي شهادة للتاريخ في حق أخي وصديقي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من إنجازات تنموية شاهدة ومن مكاسب سياسية وديمقراطية رائدة. فقد شكلت بحق فترة قيادته لبلدنا نقلة نوعية في معركة النماء والاستقرار بالنظر إلى ما حقق فيها من إنجازات بنيوية عملاقة وما اختتمها به من احترام للدستور وعبور بوطننا الغالي إلى بر الأمان. فله منا جميعا التهنئة الخالصة والشكر المستحق”؟!
{ما لكم كيف تحكمون}؟
… رحم الله البطلة الوطنية بنت ابلادي (لاله بنت بُكزّان)! فلو كانت ما تزال على قيد الحياة وعاشت هذه المأساة لاستشاطت غضبا وأسفا وأسى، وتأففت، وقالت كلمتها المأثورة في مثل هذه الحالات النادرة: “أولاد ابلادي انتوم اتكلبوا الهوى” ولأنشدت فينا قول المتنبي:
فوضع الندى في موضع السيف بالعلى ** مضر كوضع السيف في موضع الندى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى