رسائل أغشت المجيد (7)

انقلاب صامت في موريتانيا.. أين فخامة الرئيس مما يجري؟

سؤال يطرح نفسه بإلحاح من خلال الأحداث الجارية في الوطن منذ أشهر،  ولكنه يصبح أكثر بروزا وإلحاحا لدى من شهد مثلي أمس في مخافر مديرية مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية إحدى أغرب حلقات البحث التمهيدي الذي يخضع له رئيس الجمهورية السابق السيد محمد ولد عبد العزيز وأركان حكمه وأغلبيته، بناء على توصيات لجنة برلمانية مشبوهة تتهمهم بالفساد!
في مكان قصي من دار النعيم بدأ المدعوون يتوافدون على الحفل زوال يوم الأحد في حدود ما بين الثانية عشرة والواحدة حتى غصت بهم قاعة الاستقبال: الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وجل وزرائه وأركان حكمه ومديرون كبار ورجال أعمال. بعضهم ملثم وبعض مكمم وبعض سافر. منهم من تحاشى الظهور والسلام على الحاضرين إلا بإيماءة، وتقدم آخرون وسلموا بود واحترام على الرئيس وعلى زملائهم.
وبدأ الحفل باهتا مكفهرا: مكاتب تستجوب، وأخرى تقوم بمواجهات بين الضيوف فيما بينهم، وبين معظمهم والرئيس السابق. رئيسا وزراء سابقان، وزراء مالية وصحة وطاقة سابقون، ومحافظ سابق للبنك المركزي، ومديرون سابقون لشركة اسنيم وسونمكس، ومفوض أمن غذائي سابق، وغيرهم. كانت أسئلة المواجهة التي حضرتها كلها في منتهى البساطة، وتتعلق جميعها بأعمال تسيير شؤون الدولة الموكلة بمقتضيات الدستور والقوانين إلى السلطة التنفيذية. وكانت كل القرارات التي أثيرت، إما صادرة عن مجلس الوزراء، وإما عن الوزير الأول، وإما عن الرئيس. كل في مجال اختصاصه وحسب مقتضيات القانون. بعض المدعوين أعترف بمسؤوليته عن الفعل الذي سئل عنه وأنه من اختصاصه بقوة القانون، وأنجزه وفق القانون. وأدلى بعضهم بشهادة لصالح الرئيس ضد شهادة زور عليه، وناقش بعضهم وصحح محضر إفادته حين تضمن ما لم يصرح به. أما الرئيس فكان يرد على أي سؤال يوجه إليه في مواجهة أي كان بقوله: “أتمسك بمقتضيات المادة 93 من الدستور الموريتاني” ويرفض التوقيع بناء على تلك المقتضيات.
وانتهى الحفل على الريق قبيل منتصف الليل، فطرح المشهد ثلاثة أسئلة أرقتني رغم التعب الآسر؛ وهي:
 
1- كيف يصبح منقذ وباني موريتانيا الحديثة ورافع شأنها، هو وجميع أركان حكمه وأغلبيته الحاصلة على أصوات الشعب؛ والتي رشحت ودعمت ونجّحت رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، مشتبها بهم – بين عشية وضحاها- يجري استجوابهم وإهانتهم من طرف الشرطة، وقاب قوسين أو أدنى من الاتهام والمتابعة. وذلك بموجب تقرير لجنة برلمانية مقترحة من طرف المعارضة، ولا تعتمد في تشكيلها وعملها على أي أساس قانوني، وتشكل خرقا سافرا لجميع مقتضيات الدستور (المواد من 54 إلى 77) وتغولا باطلا وعديم الأثر على السلطة التنفيذية.. ثم لا يعترض أحد!
ولمَ، ولما ذا لم يتدخل فخامة رئيس الجمهورية لتغيير هذا المنكر، وإحقاق الحق والقانون، ونصرة أصدقائه وأنصاره ضد أعدائه؟ وهل يدرك فداحة الخطر المحدق به وبالوطن؟ إن الطبيعة لا تحتمل الفراغ، ولذلك أصبح الحكم والدولة في أيدٍ أخرى لم ينتخبها الشعب! أوليس هذا انقلابا صامتا!
2- الدستور الموريتاني هو أبو القوانين، وهو الميثاق الذي يربط الأمة. ومن أجَلِّ مزايا الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أنه كرس احترامه، ورفض التلاعب به لما وسوس له شياطين الإنس بمأمورية ثالثة! وقد ظل الرجل خلال هذا البحث يكرر أمام شرطة وأعوان الدولة وعلى مسامع قضاتها عندما سئل عن أفعال جرت خلال فترة رئاسته، أنه يتمسك بمقتضيات المادة 93 من هذا الدستور؛ وهي مادة صريحة وواضحة تقول حرفيا: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى”. فلا يجد أذنا صاغية. وكأن هذه المادة غير موجودة، أو موجودة ولكن لا قيمة لها ولا لمصدرها في مواجهة القوة! فأين حامي الدستور، ولماذا لا يتدخل لصيانته؟ أوليس انتهاك الدستور تجاوزا لجميع الخطوط الحمر، وانقلابا على إرادة الأمة التي أقرته وتعاقدت عليه، و …؟
3- لقد دارت جميع أسئلة البحث حول المنجزات العمرانية والاجتماعية الكبرى في العشرية مثل: صفقة المطار الدولي، والمستشفيات واسنيم وعصرنة مدينة انواكشوط.. الخ؛ ما جعل الرئيس يعلق ساخرا على شهادة أحد مديري اسنيم بأن الرئيس “كان يتصل به ويحثه على إنهاء مستشفى أمراض الكبد والفيروسات الذي تموله خيرية اسنيم” بقوله: “اگبيل ما اتوفيه” (كان عليك أن لا تنهيه)! وفي هذه الأيام يجري تسريب أنباء تجس نبض الرأي العام حول أمور حساسة من بينها إلغاء المنطقة الحرة في انواذيبو، ودراسة جدوائية ميناء انجاگو، والتخلي عن قاعدة لمريه.. إلخ. فهل لا يشكل هذا انقلابا على مكاسب الأمة الموريتانية الاقتصادية والاجتماعية والسيادية والحضارية، وتمكينا للخواص والأجانب؟ وما ذا عن تطبيع السائرين في فلك آخرين؟ وأين فخامة الرئيس من توجه ينسف جهود عشرية كان فاعلا أساسيا فيها، ويجعل تحقيق تعهداته مستحيلا، ويهدد استقلال وبقاء الأمة الموريتانية؟
أتمنى أن أكون مخطئا. “ولكنها تدور” كما قال غاليليو!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى